كيف صنعت الصين أبل.. وكيف صنعت أبل الصين؟

انقر على الصورة للتكبير
ClearTechAI | كلير تك AI: كيف صنعت الصين أبل.. وكيف صنعت أبل الصين؟
بقلم: ClearTechAI | كلير تك AI
هل تبدو هذه الجملة مبالغًا فيها؟ ربما. ولكن قبل أن تستبعد الفكرة، دعنا نعود بالزمن إلى الوراء قليلًا. في عام 2022، أقر الرئيس الأمريكي جو بايدن قانون الرقائق، الذي خصص 52 مليار دولار كدعم لصناعة أشباه الموصلات على مدى أربع سنوات. كان هذا الإجراء يُعتبر تاريخيًا ووصف بأنه "استثمار يحدث مرة كل جيل". الآن، قارن هذا المبلغ بما أنفقته شركة واحدة واحدة فقط هي Apple في الصين في عام واحد.
الاستثمار العملاق: عندما تجاوزت شركة واحدة خطة دولة عظمى
وفقًا للتقارير، في عام 2015 فقط، أنفقت شركة آبل حوالي 55 مليار دولار في الصين. تم ضخ هذه الأموال الطائلة في البنية التحتية والتدريب وسلاسل التوريد. هذا الرقم الضخم، الذي أنفقته شركة واحدة في بلد واحد، دفع بعض المراقبين للسخرية من أن الاستثمار السنوي لآبل في الصين يعادل تقريبًا أربعة أضعاف قيمة "خطة مارشال" الشهيرة التي أعادت بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
هنا يبرز سؤال جوهري: إذا كان هذا هو إنفاقها في عام واحد، فكم بلغ إجمالي ما أنفقته طيلة وجودها هناك؟ وهل مقولة "آبل صنعت الصين" مبنية على الأموال وحدها؟ هذا بالضبط ما حاول الصحفي باتريك ماجي الإجابة عليه في كتابه المهم "Apple en Chine" (آبل في الصين)، والذي نستعرض بعض أفكاره الرئيسية في هذا التقرير على ClearTechAI | كلير تك AI.
البداية: من حافة الإفلاس إلى أحضان التصنيع الخارجي
لفهم القصة كاملة، يجب العودة إلى مارس 1996. كانت آبل شركة تنزف وتوشك على الإفلاس. يحكي جو أوستليفان، نائب الرئيس آنذاك، عن لحظة صادمة أمضى فيها الليل في مفاوضات يائسة لبيع آخر مصنع كبير لآبل في الولايات المتحدة. تلقى مكالمة تحذيرية مفادها: إذا لم تُغلق الصفقة اليوم، لن يحصل أحد على راتبه في نهاية الأسبوع. كانت تلك هي اللحظة التي أدركت فيها آبل أنها يجب أن تتخلى عن تصنيع منتجاتها بنفسها وتلقي بنفسها في أحضان المصنعين في الخارج لتبقى واقفة على قدميها.
التحول الاستراتيجي: من التصنيع إلى التجميع
تحولت استراتيجية آبل من "صناعة المنتج" إلى "تجميع المنتج". توجه الإنتاج في البداية إلى شركات في كوريا الجنوبية وتايوان، ثم إلى مصانع في المكسيك وويلز والتشيك. ولكن الوجهة الأهم والأخيرة كانت الصين، التي لم تكن في ذلك الوقت المكان الأمثل للتصنيع التكنولوجي المتقدم.
العاملان السحريان: الحكومة الصينية وتيري جاو
نجحت آبل في الصين بسبب عاملين رئيسيين:
الدعم غير المسبوق من الحكومة الصينية التي سهّلت كل شيء.
وجود تيري جاو، مؤسس شركة "فوكسكون" التايوانية العملاقة للتصنيع.
الرجل لم يكن مهتمًا بالأرباح السريعة بقدر اهتمامه بالتعلم. أراد أن تدرب آبل العمالة والمهندسين في الصين. والسؤال: كم عدد الذين تم تدريبهم؟ الرقم مهول: 28 مليون عامل ومهندس صيني تلقوا تدريبًا على أحدث مهارات التصنيع من خلال آبل وشركائها. هذا الرقم الضخم يجعلنا ننظر إلى آبل ليس كشركة تكنولوجيا فحسب، بل كأكاديمية صناعية عملاقة.
منهجية التدريب: المعرفة مقابل السيطرة والسعر
لم تكن آبل ترسل كتالوجات للمواصفات فحسب. كان مهندسوها ينزلون بنفسهم إلى خطوط الإنتاج في مصانع فوكسكون لشهور لتعليمهم كل شيء من الصفر. وكان ذكاء تيري جاو يتجلى في تدوير العمال باستمرار، بحيث ينتقل العامل المدرب إلى خطوط إنتاج أخرى لصنع منتجات مختلفة، لتحل محلّه مجموعة جديدة需要 التدريب. هكذا، انتقلت المعرفة إلى جميع أرجاء القطاع.
لم تقدم آبل المعرفة فقط، بل استثمرت مئات الملايين ثم المليارات في شراء أحدث وأعقد آلات التصنيع في العالم ووضعتها في مصانع فوكسكون وشركائها. في المقابل، حصلت آبل على:
أسعار تنافسية شديدة الانخفاض، لدرجة أن هوامش أرباح بعض الموردين انخفضت إلى近乎 الصفر.
السيطرة الكاملة على جودة وسرعة الإنتاج.
تحميل الموردين جميع المخاطر، مثل إصلاح أي عيوب في المنتجات خلال الضمان على نفقتهم الخاصة.
كانت الصفقة واضحة: المعرفة والتكنولوجيا وحجم الإنتاج بالمليارات، مقابل العمل هوامش ربح ضئيلة وتحمل المخاطر. ولكن بالنسبة للصين والموردين، كانت الصفقة ذكية: لقد تعلموا صناعة منتجات آبل، وبإمكانهم الآن استخدام هذه المعرفة لخدمة عملاء آخرين أو لبناء منتجاتهم الخاصة.
نظرية "سمكة القط" (Catfish Effect): الاستراتيجية الصينية الخفية
هنا تكمن براعة الاستراتيجية الصينية، والتي تشرحها ClearTechAI | كلير تك AI through نظرية "سمكة القط". تقول القصة إن صيادي السردين النرويجيين كانوا يواجهون مشكلة موت السمك في الطريق إلى السوق. اكتشف أحدهم أن وضع سمكة قط (مفترسة) في خزان السردين يجعل السردين يظل طريًا ونشطًا طوال الرحلة هربًا من المفترس.
هذا بالضبط ما فعلته الصين مع آبل. لم تكن مجرد مصنع، بل استخدمت آبل كـ"سمكة قط" لتحفيز وإثارة سوق الإلكترونيات المحلية. وجود المنافس الأقوى في العالم أجبر "السردين" المحلي (الشركات الصينية like هواوي وشاومي وOPPO) على أن تصبح أسرع وأقوى وأكثر innovation من أجل البقاء.
انقلاب الطاولة: عندما كبر "السردين" وأراد التخلص من "سمكة القط"
بحلول عام 2013، كانت الصين قد حققت طفرة اقتصادية وأصبحت مركزًا لصناعة الإلكترونيات في العالم. كانت إيرادات آبل في الصين تقفز من أقل من مليار دولار في 2008 إلى 23 مليار دولار في 2012. ولكن مع صعود الرئيس شي جين بينج، دخلت الصين في مرحلة "إظهار القوة". لقد تعلمت كل ما under الشمس، وحان وقت السيطرة على العلاقة.
الحملة الإعلامية والاعتذار التاريخي
في 2013، شن الإعلام الحكومي الصيني حملة منظمة ضد آبل، متهمًا إياها بالغطرسة وانتهاك حقوق العمال ومنح المستهلك الصيني معاملة "مواطن من الدرجة الثانية". كانت الرسالة واضحة: نجاحك هنا امتياز نمنحه إياك، ونحن قادرون على سحبه.
أدرك تيم كوك أن المعركة سياسية وليست تجارية. وفي خطوة غير مسبوقة، كتب خطاب اعتذار عام باللغة الصينية ونشره على الموقع الصيني لآبل. وفقًا لتسريبات لاحقة، قام كوك برحلة سرية إلى بكين في 2016 ووقّع مذكرة تفاهم وعد فيها آبل باستثمار 275 مليار دولار في الصين على مدى 5 سنوات. شمل الوعد المساعدة في بناء تكنولوجيا متقدمة، وتدريب عمال صينيين أكثر، وشراء مكونات أكثر من موردين صينيين، والاستثمار في شركات التكنولوجيا الصينية الناشئة.
كمثال على "عربون المحبة"، استثمرت آبل مليار دولار في "ديدي" (النسخة الصينية من أوبر)، والتي يُعتقد أن مؤسسها له صلات قوية بنخبة السلطة في الصين.
ClearTechAI | كلير تك AI: الخلاصة والوضع الراهن.. ورطة آبل الكبرى
اليوم، وجدت آبل نفسها في ورطة جيوسياسية كبيرة يصعب الخروج منها:
اعتماد شبه كلي على الصين: 90% من منتجاتها تُصنع هناك. 150 من أصل 187 من كبار مورديها موجودون في الصين. حتى المنتجات التي تُصنع في فيتنام أو الهند تعتمد على مكونات صينية.
استحالة التكرار: من شبه المستحيل إعادة بناء سلسلة التوريد المعقدة هذه في مكان آخر بسرعة. نقل التصنيع إلى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، قد يرفع سعر iPhone إلى 3500 دولار.
الضغط من واشنطن: كشركة أمريكية أيقونة، تواجه آبل ضغوطًا متزايدة من الكونجرس لتقليل اعتمادها على الصين حماية للأمن القومي والمصالح الاقتصادية الأمريكية.
هكذا، فإن الصين التي كانت سببًا رئيسيًا في نهضة آبل، أصبحت الآن أكبر عقبة تهدد مستقبلها. والتهديد يأتي من جانبين: الصين نفسها والولايات المتحدة. وفي نفس الوقت، كانت آبل أحد أكبر أسباب المكانة التكنولوجية للصين الحالية.
لذا، فإن مقولة "آبل صنعت الصين والصين صنعت آبل"، إلى حد كبير، هي مقولة صحيحة وتعكس علاقة الاعتماد المتبادل المعقدة التي شكلت عالم التكنولوجيا كما نعرفه اليوم.
ما رأيك؟ هل تعتقد أن هذه المقولة صحيحة؟ شاركنا رأيك في التعليقات أدناه على منصة ClearTechAI | كلير تك AI.
وكما عودكم فريق ClearTechAI | كلير تك AI، نقدم لكم أحدث التحليلات العميقة عن عالم التكنولوجيا والاستراتيجيات الخفية وراء كبار اللاعبين. تابعونا للمزيد.